بسم الله الرحمن الرحيم : وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ </A> .
قوله جل وعلا: "ويل" تقدم لنا أن هذا دعاء عليه بالهلاك، وأن الحديث الوارد في قوله في تفسير الويل، وأنه واد في جنهم، أنه لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله جل وعلا: لِكُلِّ هُمَزَةٍ </A> الهمزة هو المغتاب، كما قال الله -جل وعلا-: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ </A> فسر ابن عباس وقتادة الهماز بأنه المغتاب، وقوله "هماز" هذه صيغة مبالغة، و"همزة" هنا أيضا هي صيغة مبالغة، فتدل على أنه كثير الاغتياب للناس.
وقوله جل وعلا: "لمزة" أي أنه يعيب الناس في وجوههم ويباشرهم بالعيب فالأول يذكرهم حال غيبتهم، وأما في الوصف الأول يذكرهم حال الغيبة، والوصف الثاني يذكرهم حال الحضور.
ويدل على ذلك، على تفسير اللمزة قول الله -جل وعلا-: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ </A> .
هذه الآية نزلت في قوم لمزوا المتصدقين، وذلك أنه لما نزلت آية الصدقة، صار المسلمون يحملون على ظهورهم، فيأتي أحدهم بالشيء الكثير، ويأتي بعضهم بالشيء القليل، فقال بعضهم -بعض المنافقين إذا رأى من جاء بالقليل- قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، وإذا رأوا آخر جاء بالكثير قالوا: إن هذا لمرائي، فأنزل الله -جل وعلا- ذلك.
وهذا ظاهر في أنهم كانوا يقولون هذا، وهم يرون المؤمنين، وقوله جل وعلا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ </A> هذه الآية مبين معناها ما صنعه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قسم غنائم حنين، فجاءه رجل فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اعدل. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ويلك من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله </A> .
فقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ </A> هؤلاء مثل من صنع يوم حنين، وهذا طعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه -عليه السلام- وفي حال حضرته، فدل ذلك على أن الهمزة هو الذي يغتاب الناس، وأن اللمزة هو الذي يعيبهم في وجوههم.
قال الله -جل وعلا- في صفته أيضا: الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ </A> يعني: أنه يجمع المال ويحصيه ويضن به ويبخل، فهو يجمع ويمنع؛ ولهذا هو حريص علي جمعه؛ حريص على إحصائه وعده: يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ </A> أي: يظن أن هذا المال يخلده في الدنيا.
ولكن هذا المال لا يخلد أحدا؛ لأن الله -جل وعلا- قضى بالهلاك على كل نفس على هذه البسيطة، كما قال الله -جل وعلا-: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ </A> كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ </A> فهذا المال لا يخلد أحدا.
وهذه الآية فيها إشارة إلى ذم الذي يجمع هذا المال من أجل أن ينفقه على أمور دنيوية؛ ليخلد به في الناس ذكراه؛ لأن بعض الناس ينفق نفقات لا لوجه الله، وإنما رياء وسمعة، فهذه الآثار التي تبقى بعده، وهو يقصد بها الرياء والسمعة وتخليد الذكرى، لا يقصد بها وجه الله، يكون داخلا في هذه الآية.
ثم قال الله -جل وعلا-: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ </A> يعني: أن الله -جل وعلا- يزجره عن هذا الظن؛ لأنه لا أحد يخلد بماله، وأخبر جل وعلا، وأقسم أن هذا الذي يصنع ذلك سيطرح في النار، وهي الحطمة.
والحطمة اسم من أسماء النار، سميت بذلك؛ لأنها يحطم بعضها بعضا من شدتها، كما رآها -صلى الله عليه وسلم- حين عرضت بين يديه صبيحة يوم كسوف الشمس في عهده -صلى الله عليه وسلم- فإنه عليه الصلاة والسلام أخبر أنه رأى النار يحطم بعضها بعضا.
وكذلك هي حطمة؛ لأنها تحطم ما يُلْقَى فيها؛ ولهذا تقول: هل من مزيد، قال الله -جل وعلا-: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ </A> هذا تفخيم لشأن النار حتى يحذرها العباد.
ثم بين الله -جل وعلا- هذه الحطمة فقال: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ </A> يعني: نار الله التي أوقدها الله -جل وعلا- وجعلها موقدة وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ </A> الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ </A> أي أنها تصل إلى قلب العبد، وتدخل إليه في نار جهنم إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ </A> أي: أن هذه النار على هؤلاء يوم القيامة مغلقة ومطبقة، لا يخرجون منها.
وزيادة على هذا الإطباق يجعل الله -جل وعلا- أبوابها في عمد ممددة، أي: أن هذه الأبواب تجعل في عمد، وهذه العمد تكون زيادة في إطباق النار على الكفار، كما أن أبواب الدنيا يغلق الباب، ويوضع زيادة عليه مزلاج يزيد في قوته، وفي صكه وإمساكه.
كذلك النار يوم القيامة إذا أغلقت أبوابها عليهم فإنها تكون في عمد ممدة، وتكون هذه العمد مؤكدة للإطباق، زائدة في الاستيثاق، بأنهم لا يخرجون منها أبدا. نعم